“تصميم ثري عريق لأحد المتاحف الراقية” هو الوصف المناسب للأسلوب المعتمد على فن الأرابيسك في التصميم الداخلي ولمسات الديكور، وقد صمد هذا الفن المميز لسنوات طويلة رغم تعاقب أنماط التصميم وتطورها، كلاسيكية وحديثة ومعاصرة وغيرها الكثير من الأساليب الحديثة، إلا إنه لا غِنى عن هذا الفن الذي يُضفي على المكان إطلالة عريقة ذات طابع خاص يعشقها الكثيرين ويحرصون على تخصيص أحد الأركان لهذا التصميم المميز أو دمجه في التصميم الأساسي للمكان على الأقل.
على مدار قرون عديدة مازال للأرابيسك مكانته العظيمة في النمط العربي الأصيل، بدايةً من القطع الصغيرة للديكور من تحف ومفروشات، وحتى قطع الأثاث الجذابة باختلاف أنواعها وأشكالها، ووصولًا لتصميم المبنى المعماري ككل.
فن الأرابيسك في التصميم الداخلي
Arabesque أو فن الزخرفة العربية كما أطلق عليه قديمًا، والذي نشأ عن الإبداع الهندسي والمعماري القديم في تصميم أفخم القصور والمنشآت الراقية، والتي تنافس علية القوم والأثرياء في الحصول عليها كنوع من المباهاة والترف، فظهرت تلك الخطوط والأشكال الهندسية المتداخلة والمعقدة، والمكررة بحس فني مميز لتزين حوائط كاملة في القصور، وقطع الأثاث، والنوافذ والمشربيات، بل وأواني الطعام والشراب أيضًا، لتمتد لتشمل مآذن المساجد وجدرانها حتى ارتبط بها وعرف على أنه أحد الفنون الإسلامية الشهيرة والمميزة.
الأسلوب المصري في فن الأرابيسك
يعتبر الأسلوب المصري في فن الأرابيسك في التصميم الداخلي هو الأشهر والأبرز على الإطلاق لجودة ورقي الخامات المستخدمة في تصميمه من الخشب الزان والعاج والصدف، وحتى المعادن المختلفة من النحاس والذهب والفضة، وكذلك الزجاج، يأتي بعده خطوط الأرابيسك السوري الباهرة التصميم، وقد ارتبط الأرابيسك بالمشربيات القديمة وتصميمها البديع والذي زين واجهات ومداخل المنازل والأماكن العامة لسنوات وسنوات.
الأرابيسك من الشرق إلى الغرب
قد عُرف مصممي وفناني الأربيسك المصريين والشاميين قديمًا بالحرفية العالية وإتقان وجودة التصميم والتنفيذ، حتى تم ترحيلهم عنوة إلى الدولة العثمانية في اسطنبول لاستغلال موهبتهم في تصميم قصورهم ومنشآتهم، فتزينت قصورهم ومنازلهم ومساجدهم بأروع زخارف ونقوش الأرابيسك العربي الأصيل، بل واُجبر فناني الأرابيسك على البقاء بها فيما أُطلق عليه الأسر الفني.
قد ارتبطت صناعة الأربيسك وفنونه بالعديد من الفنون الجمالية الأخرى مثل فن الخطوط، والرسم والنقش، وكذلك فن النحت والتعشيق، كما يتميز فنان الأرابيسك ومصممه بالدقة والصبر والإبداع، فظهرت قطع على قدر كبير من الابتكار والتفرد مثل التوريق والمشربية والمشرفية و الميمونية كمنتجات ارتبط اسمها بفن الأرابيسك، ويعتبر حي الجمالية وخان الخليلي االمركز الذي يشع منه هذا الفن اليدوي الرائع في مصر، والذي ما زال عنصر جذب فعال للكثير من الزوار والسياح لهذه الأماكن للتعرف على أصول وفنيات الأرابيسك، والحصول على تذكارات وهدايا قيمة مزينة بهذا التصميم الرائع.
المزج بين الأرابيسك وأساليب الديكور المختلفة
لا يرفض أي نمط من أنماط التصميم الداخلي الكثيرة والمتنوعة إضافة لمسة بديعة من فن الأرابيسك في التصميم الداخلي المعتمد عليه، بل إنه يتناسق بشكل جذاب مع الخطوط العريضة لمعظم تلك الأنماط ويحيطها بهالة من العراقة والدفء.
الأرابيسك مع الطراز الحديث
فمثلًا عند الاعتماد على الطراز الحديث في التصميم الداخلي للمكان فإن فن الأرابيسك بأشكاله الهندسية المنتظمة من أنسب قطع الديكور التي يمكن الاستعانة بها لإكمال اللوحة الحديثة التي نحاول رسمها، وذلك لتميز النمط الحديث وتركيزه على الخطوط الحادة في الأشكال الهندسية الأساسية في في التصميم.
مزج الأرابيسك في الطراز الكلاسيكي
كما يمكن إضافة لمسة رائعة للتصميم الكلاسيكي عند استخدام أحد عناصر الديكور المزخرفة بالأرابيسك، وذلك لاعتماد الطراز الكلاسيكي في التصميم الداخلي على النقوش والزخارف بشكل أساسي في جميع جوانبه، فيجمع بينهم الفخامة ورقي التصميم، على أن يتم ذلك بنوع من التنسيق والحرفية للحصول على الإطلالة الرائعة المرغوب بها، دون تشويه التصميم الأصلي للمكان.
كما يمكن استخدام لمسات من الأرابيسك الفريدة في أحد قطع السجاد المميزة والتي تلفت انتباه كل من يدخل إلى المكان، ويمثل تغطية أحد الجدران الأساسية بورق الحائط المصمم على شكل زخارف من الأرابيسك كخلفية للتصميم السائد به فكرة ممتازة.
نشأة وتطور فن الأرابيسك
يرجع تاريخ هذا الفن الراقي إلى العصور القبطية القديمة حيث استخدم لتزيين الكنائس والأديرة بشكل واسع، لينتقل بعدها إلى العصور الإسلامية ليرتبط منذ ذلك الوقت بالعمارة الإسلامية وتصميم المساجد والمنازل لينتشر بشكل واسع ويدخل إلى تصميم كافة المنشآت المعمارية ليكسبها رونق وسحر يجذب الأنظار.
شهد القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر نهضة واذدهارًا كبيرًا في هذا الأسلوب من التصاميم الديكورية البديعة، كما شهد استخدام فن الأرابيسك في التصميم الداخلي تطورًا كبيرًا وانتشارًا واسعًا على يد الأندلسيين.
لكن مع الغزو الثقافي والاجتماعي والتكنولوجي الغربي لعالمنا العربي، وزيادة أسعار المواد الخام من الخشب والصدف المستخدمة في مشغولات الأرابيسك تراجع فن الأرابيسك بصورة كبيرة، بل كاد أن يندثر للأسف، وذلك بدايةً من منتصف القرن الماضي.
الأرابيسك حديثًا
قد تطورت هذه الصناعة الحرفية اليدوية في وقتنا الحالي ودخلت إليها وسائل التكنولوجيا والماكينات الحديثة، والتي جردت هذا الفن من روح الإبداع والتفرد التي اكتسبها من روح صانعه، ليحل محلها العديد من القطع المتشابهة والمتطابقة بلا روح أو ابتكار.
يعد غلاف المصحف الشريف خير ما أنتج من تصميمات ذلك الفن الرائع بزخارفه المتقنة والدقيقة، كما أن من أشهر المنتجات البديعة التي تستخدم في تصميمها فن الأرابيسك بشكل أساسي الحامل الخشبي للمصحف الشريف والحافظات الخاصة به، إلى جانب المجسمات الفنية والديكورية لمعالم التراث الإسلامي والعربي والتي تضيف للمكان رونق وعبق تاريخي مميز نابع عن الاعتماد على فن الأرابيسك في التصميم الداخلي ورسم ديكوره.
أسس استخدام فن الأرابيسك في التصميم الداخلي
عند الاستعانة بالأرابيسك في تصميم الديكور الداخلي لمكان ما فإنه يجب الأخذ في الاعتبار بعض النقاط الهامة والتي تزيد من جاذبية التصميم وسحره، حيث يجنبنا ذلك فوضى التنسيق وانعدام التناغم بين أجزاء التصميم الأساسية، ومن أهم تلك العناصر:
وحدات الإضاءة وفن الأرابيسك
من أهم ما يبرز سحر وجمال ديكور الأرابيسك و تصميماته الرائعة بتفاصيلها وخطوطها الدقيقة المتقنة، فيُصح باستخدام الإضاءة البسيطة صفراء اللون، كما تصنع وحدات الإضاءة نفسها بعدة تصاميم مبتكرة بالاعتماد على زخارف فن الأرابيسك، مثل الثريات الفخمة ووحدات الإنارة المعلقة على الحائط أو الموجودة فوق الطاولة، على أن يتم توزيعها بطريقة متناغمة وعملية في نفس الوقت للحصول على جاذبية وسحر تملأ المكان وتغمر ساكنيه.
ألوان تزيد من روعة الأرابيسك
عند الاعتماد على فن الأرابيسك بتصميماته البديعة في وضع ديكور مكان معين، فإنه يجب اختيار العناصر المكونة للتصميم بدقة وفن، على أن تكون بألوان فاتحة وحيادية هادئة وذلك لتناسب اللون البني بتدرجاته المستخدمة في تصاميم الأرابيسك المستخدمة، وأنسب هذه الألوان هو الأبيض بمشتقاته من الأوف وايت والبيج،، مع الابتعاد عن الألوان الصارخة أو الداكنة والتي قد تفقده بريقه وتميز تصميمه.
السقف المزخرف بالأرابيسك
هالة من الفخامة والرقي تغلف المكان وتجعل منه قطعة من قصور الأساطير القديمة، تخطف أنظار كل من يدخل إليه، ولا يقل أهمية بأي حال من الأحوال عن باقي وحدات التصميم كالأثاث والمفروشات والإضاءة، وخاصةً عند تطعيمه ببعض قطع الصدف المميزة لتجعل منه لوحة ساحرة.
كيفية العناية بقطع الأرابيسك
يحتاج الأرابيسك إلى اهتمام خاص للحفاظ على سحره ورونقه، لذا يلزم استخدام بعض الأدوات والفرش الخاصة به عند تنظيفه لتجنب خدشه أو تلف زخارفها، حيث تزيد به التعرجات والزوايا، كما تستخدم بعض المواد الملمعة المناسبة له مثل مادة الاستر، كما يجب معاملة قطع الأثاث والديكور المصممة على هذا النمط الراقي على أنها إحدى التحف الفنية الرقيقة، والتي يجب الحفاظ عليها والعناية بها.
أساليب الأرابيسك المختلفة
هناك نوعين من أنواع الزخارف المشهورة عند استخدام فن الأرابيسك في التصميم الداخلي، والتي اعتمدت على نوع الرسومات والنقوش التي تسود التصميم، وهما:
- التسطير والذي يتخذ من الأشكال الهندسية والخطوط المستقيمة وحدة تشكيل التصميم كالنجوم والأشكال السداسية، ورسم الخط الكوفي.
- الثاني هو التوريق أو التزهير والذي يتخذ من أشكال النباتات والزهور وأوراق الشجر وحدة بناء التصميم الأساسية ويدخل عليها بعض صور الحيوانات والطيور أحيانًا.
- يمكن المزج بين الأسلوبين في نفس التصميم للحصول على آحدى أروع وأجمل القطع الفنية المميزة.
خطوات الحصول على تحفة من الأرابيسك
على مر عصور طويلة سادت حرفة وصناعة تصاميم الأرابيسك غيرها من الحرف اليدوية، وتميز بها الكثير من الفنانين والمصممين، وتم توارث قواعدها وفنياتها جيل بعد جيل، ومن أهم الأدوات المستخدمة في صناعة الأرابيسك الخشب الزان والعاج، ومنشار الأركيت، ألواح السنفرة الناعمة منها والخشنة، بالإضافة إلى الدهانات المختلفة، وأزميل الخرط والفحار، وقد تركزت خطوات صناعتها الأساسية حول عدد من العمليات، هي:
- تحديد التصميم المفضل بين بين الكثير من التصميمات والزخارف الرائعة للأرابيسك حسب الذوق الشخصي لصاحب التصميم، والتناسق مع الجو العام للديكور المستخدم.
- اختيار نوع الخشب المستخدم في التصميم سواء الخشب الزان أو العاج، ومن ثم تحديد الحجم المناسب للقطعة بحسب المكان والغرض المستخدمة به.
- استخدام الصنفرة الخشنة ثم الناعمة للحصول على سطح أملس لقطعة الخشب، ومن ثم لصق باترون التصميم المختار عليه.
- استخدام قلم معدني لطباعة هذا التصميم والبدء في الحفر بدقة عالية ومهارة كبيرة للوصول إلى التصميم المطلوب، يدويًا أو آليًا.
- طلاء القطعة بالنوع المناسب لها من أنواع الطلاء المختلفة مثل الورنيش، والاستر، والجملكة، وغيرها، ومن ثم إضافة بعض اللمسات الجمالية على التصميم باستخدام أشكال من الصدف أو القطع الفضية إليه.
ختامًا، فإن الانطباع الآخاذ الذي يضيفه فن الأرابيسك في التصميم الداخلي هو نتاج البساطة والرقي الذي يتمتع به هذا الفن الأصيل، والذي يعود بالتصميم إلى تراثنا القديم، هو الدافع لعشق الكثيرين له وحرصهم على اقتناءه، ليصمد ويبقى محتفظًا بقوته وبريقه أمام ما يتعاقب عليه من أنماط الديكور المختلفة والمتنوعة على مر العصور.