نظرة مختلفة للجمال ولمسة ساحرة من البساطة والعملية، ذات الخطوط الجريئة والألوان المختلفة، إنه الطراز الحديث في التصميم الداخلي والذي كان نتيجة التمرد على الكلاسيكية النمطية، فهو نمط من الديكور يركز على وظيفة كل وحدة من الوحدات المستخدمة وليس على الشكل الجمالي لها فقط.
ما هو التصميم الداخلي؟!
الديكور أو Interior Design، هو التخطيط لاستغلال الفراغ الداخلي للوفاء بكافة الاحتياجات العملية والجمالية في تناغم وتناسق مميز يُضفي روحًا وراحةً على المكان.
للتصميم الداخلي العديد من العناصر الأساسية التي يقوم عليها تصميم وتخطيط أي مكان، منها الألوان المستخدمة والإضاءة والقطع الجمالية المتناثرة، بالإضافة إلى توفير مساحة مناسبة للحركة، ويُعبر أسلوب وخطوط التصميم الداخلي عن شخصية صاحبه وتفضيلاته الحياتية، ونظرته إلى الجمال والسحر، ويعتبر الطراز الكلاسيكي، والطراز الحديث في التصميم الداخلى من أشهر الأنماط والأساليب المستخدمة في تخطيط المنشأة.
لما كان اختيار التصميم والنمط المناسب للمكان يجب أن يعتمد على عدد من العوامل، أهمها البيئة المحيطة والتكلفة المادية ومساحة المكان، فإن من أهم تلك العوامل هو انعكاس الطابع الشخصي والشغف النابع ممن يقيم بالمكان، وهذا ما جعل من الطراز الحديث في التصميم الداخلي أكثر أنماط الديكور تميزًا، حيث فتح المجال للإبداع والتحرر من النمط الكلاسيكي الجامد.
تطورات الطراز الحديث في التصميم الداخلي
امتاز أسلوب هذا الطراز ( Modern style in interior design) المميز في التصميم بالخطوط الواضحة والأشكال الهندسية المنتظمة إلى حدٕ كبير في جميع وحداته وجوانبه، كما تأثر بشكل غير مباشر بالأسلوب المصري والروماني القديم، كما ظهرت ارتباطات خفيفة بأسلوب المايا في تصميماته، ويعتبر استخدام التكنولوجيا وأدواتها الحديثة من أهم الجوانب المستخدمة في التصميم الحديث حيث توظف هذه الأجهزة والقطع بشكل منسق وعملي لإكساب المكان طابع عصري سريع.
استخدام بعض العناصر في النمط الحديث
اشتركت عناصر جديدة مثل الألمنيوم والخشب في رسم لوحات مبهرة لهذا النوع من النمط الحديث في التصميم الداخلي، وفي الفترة ما بين 1919 إلى 1933 ظهرت أسلوب Bauhaus كخط من خطوط الطراز الحديث في التصميم الداخلي المميزة على يد والتر غروبيوس، والتي اعتمدت على الأشكال الهندسية الأساسية في تصميمها، واستخدم المعادن والبلاستيك والزجاج في تصميم ديكور يجمع بين الفخامة والبساطة في نفس الوقت، وركزت على الألوان الأساسية الأحمر والأصفر والأزرق في تصميماتها، وقد اعتبر البهاواس هو نقطة الانطلاق للإبداع والابتكار، والتي بدأ منها الطراز الحديث في التصميم الداخلي.
المزج بين التصميم والطبيعة
كما شهدت الفترة ما بين 1990 وحتى عام 1930 محاولة رائعة للمزج بين التصميم الهندسي وعناصر الطبيعة فيما سُمي بالعمارة العضوية أو Organic Designs، ويميل هذا النمط من الديكور إلى الأماكن المفتوحة وإلغاء الوحدات المغلقة في التصميم، واختيار قطع الديكور بكافة تفاصيلها من الأثاث والمفروشات من خامات طبيعية لتصبح وحدة عضوية تتماشى مع تصميم المبنى.
الانتقال إلى الحداثة في التصميم الداخلي
ساد الطراز الكلاسيكي لقرون عديدة وكان هو النمط السائد في التصميمات المختلفة وحتى بداية القرن التاسع عشر حيث ظهرت النزعة إلى الحداثة والتطوير مع التقدم الفكري والعملي، وسيطرة العلم على كافة جوانب الحياة بعيدًا عن الأفكار التقليدية والنمطية، هذا بجانب تغير إيقاع الحياة ومعايير الجمال وأسسه بصورة كبيرة.
كما كان لدخول مواد خام حديثة في ذلك الوقت كالحديد والخرسانة إلى عالم البناء والتصميم آثر كبير للتوجه إلى إبداع أنواع جديدة من الديكور تميل إلى العملية والبساطة بعيدًا عن المبالغة في الزخارف والحلى.
زاد هذا الاتجاه خاصةً مع ازدهار عوامل التكنولوجيا وانتشار استخدامه في جميع جوانب الحياة، والتي ساد بها مظاهر اجتماعية جديدة أدت إلى الحاجة إلى بناء العديد من الوحدات السكنية صغيرة الحجم والتي لا يتناسب معها الديكور الكلاسيكي التقليدي بأثاثه الضخم وقطع الديكور الفخمة من ثريات وستائر تحتاج لمساحات واسعة ليظهر جمالها.
من هم مبتكري الطراز الحديث في التصميم الداخلي؟
كان من الضروري ابتكار أسلوب جديد في جمال التصميم وروعة الأسلوب بجانب العملية والمرونة والراحة، فظهر الطراز الحديث في التصميم الداخلي على يد مجموعة من مبدعي هذا المجال القدامى، مثل ميس فان دروه، والتر غروبيوس، لوكوربوزييه، وهم من يرجع إليهم الفضل في التمرد على خطوط الماضي باعتبارها كانت الأنسب في وقتها فقط، وإبداع نظرة جديدة للتصميم الداخلي والمناسب لكافة أنواع المنشآت.
أهم أساسيات الطراز الحديث
تميز الطراز الحديث في التصميم الداخلي بمجموعة من الخطوط التي جعلت له كيانًا فريدًا بين باقي الأنماط الديكورية المختلفة المعاصرة منها والقديمة، وتضافر تلك العوامل وتمتزج للحصول على مكان سواء للإقامة أو العمل، مفعم بالحداثة والابتكار والعملية، والتي يفضلها الكثيرون حول العالم، وهذه العوامل هي:
التخطيط المسبق للتصميم
من أهم عوامل نجاح التصميم الحديث وضع مخطط واضح ودقيق مبني على مساحة المكان واحتياجات أصحابه والميزانية المقترحة لتنفيذ التصميم، وذلك لتفادي التخبط والفوضى أثناء وضع اللمسات الفنية لتكوين الإطلالة الحديثة المميزة، فمع إطلاق العنان للإبداع والابتكار في هذا النمط، إلا إنه قد يتسبب زيادة قطعة من الأثاث أو لون من الألوان المستخدمة، في عدم الحصول على التصميم المطلوب، بل والحصول على تصميم مُشوه لا ينتمي إلى الأسلوب الحديث المميز في التصميم الداخلي.
التوظيف المبتكر للمساحة
يعتمد الطراز الحديث في التصميم الداخلي بكافة عناصره عدم وجود أي فواصل أو حدود بين مناطق المكان الواحد، فالمساحة المفتوحة بلا قيد أو شرط هي أبرز سمات هذا النمط المميز، كما يتركز على الاقتصار على وحدات الأثاث والإضاءة والمفروشات الهامة فقط والتي تستخدم فعلًا، مما يعطي إحساسًا بالراحة والانسيابية، خاصةً مع حرص هذا الأسلوب على تصميم النوافذ بحيث تسمح لأشعة الضوء اللطيفة بالتسلل إلى المكان، لتتعانق هذه اللمسات السحرية وتغلف المكان بهالة من الجمال والجاذبية والراحة.
ألوان الطراز الحديث في التصميم الداخلي
يتميز هذا النمط بألوانه الهادئة المريحة للعين والأعصاب، وغالبًا ما يتم الاعتماد على لون واحد منها مع المزج بين درجاته، سواء في ألوان الأثاث والحوائط أو حتي الستائر والمفروشات، مع إضافة بعض الظلال باللون الأبيض أو الأسود الراقي، والتي ترسم لوحة خلابة للمكان، خاصةً مع استخدام ألوان عصرية جريئة لتصميم قطع الأثاث مثل الأحمر أو الأصفر مع الاحتفاظ بطلاء الجدارن بلون محايد هادئ كالأبيض والأوف وايت.
على ألا يتم دمج الكثير من الألوان في نفس المكان، ولكن يمكن التفنن في استخدام درجات اللون المختلفة، بحيث لا يتكون التصميم من أكثر من ثلاث خطوط بارزة من الألوان وهي اللون الرئيسي المحايد، واللون الفرعي المكمل لأناقة اللون الأصلي، واللون المميز الحاد والذي يدور حوله بناء التصميم.
وحدات الإضاءة في النمط الحديث
وحدات الإضاءة من أهم ما يبرز جمال المكان بل ويُضفي عليه نوعًا من البريق والأناقة، ومع الطراز الحديث في التصميم الداخلي فإن توزيع تلك الوحدات يجب أن يعتمد على أحد الثريات المصممة بشكل هندسي جذاب، ويفضل أن يتم التركيز على وحدات الإضاءة المثبتة في السقف والمصنعة من المعدن المصقول في الغالب، مع الوحدات الإضافية سواء المثبتة على الحائط أو الموجودة فوق الطاولة، ولا نستطيع إهمال الدور الهام للإضاءة الطبيعية في اكتمال اللوحة الأنيقة الساحرة للتصميم الداخلي.
ركن بسيط وعملي
يهتم الطراز الحديث بتصميم ركن بسيط مكون من مقعدين وطاولة صغيرة، أو أريكة أنيقة، تضفي على المكان إطلالة خاطفة للأنظار بمجرد الدخول إليه، بالإضافة إلى استخدامها كمكان للانتظار أو تبديل الأحذية بجوار المدخل، على أن تُختار بتصميم بسيط عملي تقل فيه خطوط الزخرفة والزينة إلى أدنى درجة ممكنة، سواء في الخامات المستخدمة مثل الأقمشة والمفروشات أو قطع الديكور من المزهريات والانتيكات.
الأثاث العصري الحديث
تأكيدًا على أسلوب هذا النمط في الاهتمام بالجمع بين اللمسات الجمالية والخطوط العملية الجريئة فقد صممت قطع الأثاث بطريقة عصرية بديعة، معتمدة على الأشكال الهندسية ذات الحواف القوية والملمس الناعم، وتم الاستعانة بالمعادن المختلفة مثل الكروم والفولاذ في صناعتها وتشكيلها بطريقة مبهرة تخطف الأنظار.
ويعد اختيار قطع الأثاث على الطراز الحديث في التصميم الداخلي هو الاختيار المثالي للمساحات الصغيرة، حيث يمكن استغلال كل ركن من أركان المكان بطريقة ممتازة مع انسيابية تلك القطع والمرونة في توزيعها، على ألا يزيد عدد القطع في المكان عن القطع الأساسية المستخدمة فقط، فلا مجال مع هذا النمط من التصميم لازدحام المكان بالقطع حتى وإن كانت ذو مظهر جمالى، مما يبعث على الهدوء النفسي والراحة.
الستائر الرقيقة
يميل عاشقو هذا النمط الأنيق إلى استخدام الستائر الخفيفة والمصنعة من خامات الأقمشة الرقيقة ذات الطبقات الأحادية، و المنسدلة على النوافذ الزجاجية الواسعة، على أن تكون خالية من الزخارف والرسوم بلون محايد متناسق مع الألوان المستخدمة في باقي أجزاء التصميم، وتسمح بمرور أكبر قدر من الضوء لتضفي على المكان طاقة ودفء مميز.
القطع الديكورية الجذابة في التصميم الحديث
لاستخدام اللوحات في التصميمات الداخلية الحديثة اهتمامًا خاصًا، حيث تعكس اللوحة أناقة مميزة بالمكان، ويتم في الغالب اختيار لوحة خشبية كبيرة الحجم بألوان جذابة تتبع أحد الفنون التجريدية بلا إطار لتتماشى مع النسق العام المحيط بها، أو عدد من اللوح الصغيرة بتنسيق خاص على أحد الجدران الأساسية بالمكان.
كما يمكن استخدام بعض أنواع نباتات الظل المختلفة الأشكال والألوان لاكتمال اللوحة الساحرة التي رسمتها باقي عناصر التصميم الحديث المميزة، تلبية للاتجاه العام لهذا النمط في استخدام خامات وأساليب تصميم صديق للبيئة لا يتجزأ من سحر الطبيعة المحيطة به.
الأرضيات اللامعة الأنيقة
لا يتركز الطراز الحديث على استخدام الكثير من قطع السجاد، فالأفضل الاعتماد على الأرضية اللامعة البراقة والمصنوعة من الباركيه أو السيراميك، والتي تزيد من أناقة المكان وبريقه، عند استخدام أحد تلك القطع فيجب اختيار السجاد الخالي من أي زخارف أو رسومات بلون فاتح محايد يناسب الطراز الحديث في التصميم الداخلي والذي يميل إلى البساطة المطلقة والحادة بعيدًا عن البهرجة والتداخل.
المزج بين الطراز الحديث وغيره من أساليب التصميم
نتيجة البساطة والمرونة التي يتمتع بها الطراز الحديث، فإن محاولة المزج بينه وبين أحد أنماط الديكور الداخلي، هي تجربة مثيرة وممتعة، حيث يقبل هذا النمط إدخال أحد القطع الديكورية إليه، منتجًا لوحة فنية ساحرة، تُرضي كل الأذواق وتخطف الانتباه، كإضافة مزهرية رقيقة تنتمي للطراز الكلاسيكي، أو تزيين الطاولة بأحد القطع الديكورية كالشمعدان المعدن الكلاسيكي، على أن تكون متناسقة مع الخط العام للغرفة من حيث اللون والشكل.
لكن يجب أن يتم ذلك بنوع من الحذر والوعي حتى لا يأتي برد فعل معاكس، فنحصل على تصميم فوضوي ومشوه، كأن يتم طغيان النمط الإضافي على النمط الحديث الرئيسي في المكان.
في النهاية، فإن الطراز الحديث في التصميم الداخلي هو الخيار المناسب لمواكبة تطورات العصر وإيقاع الحياة السريع محاطة بهالة من الدفء والراحة، كما أنه انعكاس للمفهوم الحديث للجمال على الديكور الداخلي للأماكن بمختلف أشكالها بدايةً من المنازل والشقق، وحتى مكاتب العمل والشركات، ووصولًا إلى الفنادق والقرى السياحية وغيرها الكثير من المنشآت، والتي يجب اختيار كل قطعة من القطع المكونة له بعناية وفن للوصول للتصميم المطلوب، والذي يعكس ميول وشخصية ساكني المكان العصرية الهادئة بعيدًا عن الصخب والازدحام.