“لوحة فنية ملكية براقة” هو الانطباع الأول عن المكان المصمم على الطراز الفيكتوري في التصميم الداخلي والذي يُعد من أشهر وأروع اللمسات الديكورية المنتشرة حول العالم، وتطغى خطوط التصميم ذات الطابع العريق والفخم على أسلوب هذا الطراز، فهو انعكاس للرفاهية والترف المغلف بالشعور بالدفء والحميمية في نفس الوقت.
الطراز الفيكتوري في التصميم الداخلي
يرجع تاريخ الفن الفيكتوري في العمارة والتصميمات الداخلية الى القرن التاسع عشر، والذي نشأ في المملكة المتحدة البريطانية، في حقبة حكم الملكة فيكتوريا للبلاد والذي امتد منذ عام 1837 وحتى 1901م، وقد سُمي بهذا الاسم نسبةً إليها، والذي يعد أزهى عصور بريطانيا العظمى، صناعيًا واجتماعيًا وفنيًا، وانطلق بعدها هذا النمط إلى جميع أنحاء العالم ليصل إلى أمريكا وأستراليا وأوروبا وغيرها الكثير من دول العالم.
تركزت الفكرة الرئيسية للتصميمات الفيكتورية حول الدمج بين الخطوط التراثية لحضارة الشرق الأوسط وفنونه، الحضارة الأسيوية العريقة، وبين الخطوط المميزة لكل الأنماط الديكورية السابقة له.
البداية
كانت بدايات هذا الطراز نتيجة الثورة الصناعية الضخمة والتطور الاجتماعي المتسارع ببريطانيا في فترة حكم الملكة فيكتوريا، والاهتمام الكبير بكافة جوانب الفنون والعمارة والثقافة، وتوسع الطبقة الارستقراطية الثرية بها ورغبتها في التفرد واظهار الترف، لذا عمدت تلك الطبقة إلى تصميم قصورها بكافة مظاهر الرفاهية والفخامة.
ومع اتساع رقعة المستعمرات البريطانية شرقًا وغربًا حتى سميت بالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وزيادة حركة السفر واتصال أفراد تلك الطبقة مع الثقافات المختلفة الشرقية والغربية مثل الحضارات الهندية والشرق أوسطية، حيث بالغوا في تزيين قصورهم ومنازلهم بأجمل ما وقعت عليه أيديهم من قطع ديكورية ولمسات فنية، فظهرت في النهاية الصورة الفيكتورية الرائعة المكونة من مزيج ساحر من لمسات الديكور المتنوعة.
أبرز ما يميز الطراز الفيكتوري
يُعد الطراز الفيكتوري في التصميم الداخلي من أكثر الأنماط الديكورية المستخدمة، والتي يفضلها الكثيرون حول العالم، وذلك لعدد من العوامل التي ميزته بقوة بين باقي أنماط التصميم الداخلي، نذكر منها:
المرونة
إمكانية الجمع بين عدد من التصميمات في المنزل الواحد، فيمكن تصميم كل غرفة من غرف المنزل بتصميم مختلف ولا يلزم التقيد بطراز معين في كافة جوانب المنزل، فهو مزيج رائع من اللمسات الكلاسيكية والروكوكو والطراز القوطي والغربي الحديث أيضًا.
الجودة
الوحدات المكونة لعناصر التصميم تصنع في هذا الطراز من أجود أنواع الخامات الطبيعية القيمة باهظة الثمن، مثل أنواع الخشب عالية الجودة، والأحجار الكريمة والمعادن المستخدمة في صناعة أثاث العصر الفكتوري، فلا مجال لاستخدام المواد الصناعية أو الخامات منخفضة القيمة، مما يعكس رفاهية وثراء التصميم والمكان.
التكامل
كل جزء من أجزاء التصميم الغني باللمسات والتفاصيل الرائعة متناسقة ومتناغمة، يكمل كل منها الآخر في لوحة بديعة غاية في الفخامة والرقي.
الجمال
القطع الديكورية الكلاسيكية تحتل جزء كبير من جماليات هذا الطراز، حيث تتواجد تحف من الشمعدانات اللامعة، واللوحات الراقية، التماثيل مختلفة الأحجام والأشكال، مع التداخلات الزخرفية البديعة.
المساحات
يحتاج الطراز الفيكتوري في التصميم الداخلي إلى مساحات واسعة، وذلك لاعتماده على الكثير من قطع أثاث العصر الفكتوري الضخم، والعديد من وحدات الديكور الجمالية والنقوش المتداخلة، لذا لا يناسب هذا الطراز المساحات الصغيرة والتي تبدو في منتهى الازدحام والعشوائية بهذا التصميم.
القيمة
تكاليف الحصول على وحدات وجوانب الطراز الفيكتوري في التصميم الداخلي باهظة جدًا، مما جعل منه طراز صعب المنال للكثيرين، وذلك لتركيزها على الخامات الطبيعية الغالية الثمن، والتحف الأصلية الفخمة، والكثير من قطع الأثاث والمفروشات المرصعة بالأحجار الكريمة متنوعة الأشكال والألوان.
الانتشار
نتيجة للطابع الملكي الفخم الذي يغلف هذا الطراز العريق في التصميم، فقد استخدم بشكل كبير في تصميم العديد من القصور الملكية العربية في كثير من الدول في وطننا العربي مثل المملكة العربية السعودية، ودول الخليج العربي.
جوانب التصميم الفيكتوري
من أهم الخطوط العريضة المميزة لهذا النمط من التصميم الداخلي والتي يجب الانتباه إليها عند اختياره، والتنسيق بينها بمنتهى الدقة والبراعة:
أثاث العصر الفكتوري
عند اختيار النمط الفيكتوري في التصميم فإن الأثاث الضخم المزين بالعديد من الأحجار الكريمة والنقوش البارزة، والمصنع من أجود أنواع الخشب مثل البلوط والماهوجني والصنبور، هو أول أساسيات هذا الاختيار، فكثيرًا ما يلفت انتباهنا هذا الكرسي التقليدي ذو الظهر المرتفع وأرجله المقوسة في جمال مع التنجيد بأفخم أنواع الأقمشة الحريرية الناعمة أو المخملية الثقيلة، وذلك لما يعكسه من عراقة التصميم الإنجليزي الأنيق ورفاهية الطبقة الارستقراطية الثرية.
الألوان الفخامة الفيكتورية
يفضل الطراز الفيكتوري في التصميم الداخلي الألوان الهادئة الحيادية مثل الأخضر والبني والزهري، كما أن اللون الأحمر بدرجاته من أكثر الألوان المناسبة للنمط الخشبي السائد في الغرفة، حيث يسود البني ودرجاته المتعددة ألوان أثاث العصر الفكتوري بشكل كبير ليضفي عليه رونقًا الفخامة والعراقة الإنجليزية المحببة.
الإضاءة ودورها في إبراز جمال التصميم
نتيجة لتميز هذا النمط في التصميم الداخلي بارتفاع السقف بشكل كبير، أصبح من اللازم تزويد المكان بواحدة من الثريات النحاسية الضخمة والمرصعة بالكريستال اللامع، المتدلية من السقف في فخامة ورقي يأسر القلوب، إلى جانب عملها على تزويد المكان بالضوء، ولكن لا يمكن الاكتفاء بها للحصول على الضوء في المكان لذا يجب الاستعانة ببعض وحدات الإضاءة الأضافية مثل الشمعدانات المصابيح الجانبية المعلقة أو الموضوعة على الطاولات الجانبية في رقي وجمال، على أن يتم توزيعها بحرفية ومهارة للحصول على الضوء الكافي مع عدم الإخلال بالناحية الجمالية المرجوة منهم.
الأرضيات في الطراز الفيكتوري
تعتبر الأرضيات الخشبية اللامعة، أو المصنعة من أجود أنواع الباركيه والسيراميك، والمتناسقة مع باقي وحدات التصميم من أبرز ما يلفت الانتباه عند الدخول إلى مكان مصمم على هذا النمط البديع في التصميم الداخلي، وخاصةً عند إضافة لمسة من السجاد الكلاسيكي الأحمر غالبًا والمصنوع من أجود الخامات، فتظهر الأرضية كأنها لوحة ساحرة مرسومة بعناية فائقة.
المدفأة نقطة محورية في الطراز الفيكتوري
نظرًا لانتشار استخدام المدفأة الحجرية في العصر الفيكتوري والذي نشأ فيه هذا الطراز الديكوري المميز، فقد تم الاستعانة بها كواحدة من أهم عناصر الديكور الجمالية في المكان والتي تعكس شعورًا بالدفء والراحة النفسية، ويصنع حول هذه المدفأة سياج نصف دائري من الحديد الزهر، وتحاط بأنواع من الحجر أو الرخام يعلوها رف من نفس الخامة لوضع بعض التحف المميزة، وتم تزويدها حاليًا بوصلات تشغيل كهربية حديثة.
السقف اللافت للانتباه
يتميز الطراز الفيكتوري في التصميم الداخلي بالسقف العالي والذي يصل إلى ارتفاع ثلاث أمتار، بتصميمها البديع والذي غالبًا ما اتخذ من القبة شكل مميز له، مزين بزخارف من الجص الملون بالألوان الفاتحة والذي يغلب عليها اللون الأبيض ودرجاته مثل البيج والأوف وايت.
الجدران الخشبية القيمة
تُغطى أجزاء من الجدران في الطراز الفيكتوري في التصميم الداخلي بألواح من الخشب الطبيعي اللامع بدرجات البني الداكن والفاتح المميزة، على ألا يزيد ارتفاعها من ثلث ارتفاع الجدار، كما يمكن استخدام أنواع من ورق الحائط المرسوم لتغطية الجدار بالكامل.
النباتات والأزهار
المزهريات الخزفية أو النحاسية من أجمل وحدات الديكور المستخدمة في الطراز الفيكتوري في التصميم الداخلي، وقد كانت الزهور الطبيعية في المنزل جانب جمالي أساسي على مر أزمان طويلة لهذا العصر الفيكتوري العريق، وقد تم استخدام الزهور الصناعية أيضًا في هذا الصدد، والتي تخلق جو من الانتعاش والسحر في المكان، ويتم اختيارها بألوان وتصميمات تتماشى مع الأسلوب العام السائد بالغرفة، على أن توضع في أحد أركان الغرفة بحجم مناسب أو فوق الطاولة.
الوحدات الديكورية البسيطة
يمكن استخدام ورق الحائط بلون واحد، أو المزين بنقوش ورسومات صغيرة الحجم من الأزهار والخطوط الانسيابية الرائعة، أو استخدام اللوحات الجدارية الكبيرة، باهظة الثمن والمصنوعة من القماش المطرز أو المناظر الطبيعية الخلابة، بإطار خشبي أنيق من أول ما يخطف الأنظار في الأماكن المصممة على الطراز الفيكتوري في التصميم الداخلي، كما يمكن استخدام عدد من الصور الصغيرة والمعلقة على الحائط في تناسق بديع.
الشرفات والنوافذ في الطراز الفيكتوري
الشرفات والنوافذ الزجاجية بألوانها العديدة، والتي تصمم عادةً في صورة قباب صغيرة عالية، مزودة بأفريز من الخشب تضفي على المكان هالة من السحر والجاذبية، وللستائر طبيعة واهتمام خاص في التصميم الفيكتوري وذلك لما تعكسه من جمال وسحر، حيث تنسدل على النوافذ ذات التصميم المميز بملمسها الحريري أو المخملي الساحر، والمكونة من العديد من الطبقات القيمة، لتضفي على المكان نوع من الأناقة والتناسق.
المكتبة
ظل استخدام بعض الأرفف الخشبية لفترة طويلة من الديكور الفيكتوري، حتى أنها احتلت جدار بأكمله في بعض التصميمات، ولكن تراجع هذا الاتجاه كثيرًا في وقتنا الحالي، أيضًا المكتبة الغنية بالكثير من المجلدات والكتب من الأركان الهامة والمميزة في المنزل المصمم على الطراز الفيكتوري، حيث يمثل الكتاب جزء أصيل من ثقافة الإنجليزي وحياته.
التصميم الداخلي
هو فن الاستغلال الأمثل لكل ركن من أركان المساحة المتاحة في مكان ما، بما يتوافق مع الغرض المخصص له ذلك المكان، بطريقة احترافية تقوم على الإبداع والابتكار والذوق الرفيع، وتجمع بين العملية والحداثة والجاذبية والسحر معًا في مكان واحد.
وقد ظهرت العديد من الأنماط والأساليب المختلفة في التصميم الداخلي والتي تشهد تطورًا مستمرًا على مر العصور، بدايةً من الطراز الكلاسيكي، والطراز الفيكتوري في التصميم الداخلي، ومرورًا بالطراز القوطي والروكوكو، ووصولًا إلى الطراز الحديث والمعاصر، ولكل منهم أسلوبه والخطوط العريضة المميزة له.
المزج بين الطراز الفيكتوري وغيره من أنماط التصميم
مع ظهور الأنماط الحديثة في التصميم الداخلي وتطور هذه الأنماط بشكل كبير وسريع، زادت رغبة الكثيرين من عاشقي الطراز الكلاسيكي في دمجه مع أحد تلك الأنماط المختلفة للتغلب على النمطية والملل والشعور بقدر من العصرية والحداثة، ومما شجع على ذلك مرونة الطراز الفيكتوري في التصميم الداخلي وقبوله للدمج مع غيره من الأنماط بسهولة وبساطة بل والحصول على نتائج غاية في الابتكار والروعة والذوق الرفيع.
تنسيق ديكور الحوائط مع الأرضيات
فمثلًا يمكن إضافة لوحة كبيرة الحجم بنفس مستوى الفخامة المعهودة في التصميم الفيكتوري، مع سجادة من أجود الخامات وأروع النقوش، إلى غرفة مصممة على الطراز الحديث في التصميم الداخلي للحصول على لوحة رائعة الجمال تجمع بين الحداثة والأصالة.
كما يمكن تغطية جزء من الحائط بألواح الخشب الراقية بلونها البني الرائع لإضفاء لمسة من السحر الفيكتوري على أحد الأماكن المصممة على الطراز الكلاسيكي، خاصةً مع التشابه الكبير بينهما، لكن يجب أن يتم ذلك بوعي كامل لأهم الجوانب المكونة للتصميم الداخلي المستخدم، مع تنسيق القطع الإضافية للنمط الجانبي بقدر من الابتكار والإبداع المحسوب بدقة حتى لا يفقد التصميم جماله وتفرده.
متحف House Emelin Physick على الطراز الفيكتوري
من أشهر المتاحف الموجودة في طريق واشنطن بمدينة نيوجيرسي، والذي يمثل أفضل تعريف للطراز الفيكتوري، حيث يمثل أحد القصور المصممة على هذا النمط بكل تفاصيلها المحتفظة برونقها وذوقها البديع حتى وقتنا الحالي، والتي تظهر بوضوح في كل جانب من جوانب غرفه ال18 بلمسات بديعة لمصممه المعماري الأمريكي فرانك فرنيس عام 1879 لصاحبه الدكتور إيميلين فيزيك وعائلته، وهو من أشهر المزارات التاريخية التي يقصدها ملايين الزوار سنويًا.
الخاتمة
في النهاية، فإن اختيار الطراز المناسب للتصميم الداخلي يعد من الأمور الصعبة إلى حد كبير، حيث يغلف تلك العملية الكثير من الحيرة والتردد، خاصةً مع تعدد الأنماط واختلافها، وعند هذه المرحلة يكون اختيار الطراز الفيكتوري في التصميم الداخلي هو الحل المثالي للوصول إلى الأسلوب الذي يعكس شخصية صاحبه وميوله وطابعه الخاص، فهو قادر مع هذا النمط المميز من اطلاق العنان لخياله وانتقاء ما يفضله من كل الخطوط العريضة للأنماط السائدة والشهيرة ودمجها معًا للوصول إلى الصورة التي ترضيه بشكل مبتكر وفريد، على أن يتم ذلك ببعض الحرفية والدقة لتفادي الحصول على تصميم فوضوي مشوه.