يبدو المكان المصمم على الطراز القوطي في التصميم الداخلي من الوهلة الأولى كأحد قلاع العصور الوسطى العظيمة المهيبة، حيث القباب العالية والنوافذ الضخمة مع الجدران الحجرية والمساحات المفتوحة بإضافة من الألوان الداكنة وظلالها الناعمة، وهي معادلة تنتج إطلالة تعود بالمكان إلى عبق التاريخ وعظمته، للحصول على التطبيق الأمثل لمثل هذا الطراز الفريد يجب الوقوف على العديد من النقاط الأساسية والهامة المكونة لأركان تلك اللوحة الخلابة، والتي سنذكرها ببعض من التفصيل في السطور التالية.
تاريخ الطراز القوطي في التصميم الداخلي
يعكس الطراز القوطي Gothic style in interior design الثقافة الأوروبية السائدة في العصور الوسطى من التاريخ، وتحديدًا في فرنسا بداية النصف الثاني من القرن الثاني، وقد استمد هذا النمط خطوطه العريضة من البناء الكنسي وأسلوبه الذي ساد التصميمات المعمارية في تلك الفترة، كما كان لانتشار الحضارات والثقافات للقبائل البربرية والتي سُمي بهذا الاسم نسبةً إليها، تأثير واضح على أسلوب هذا التصميم وظهوره بهذا الشكل.
وقد عُرفت الفترة ما بين عامي 1150 إلى 1300م بالعمارة القوطية المبكرة، والتي شهدت بناء وتطوير هذا الأسلوب من التصميم الداخلي في مراحله الأولى، والذي تأثر بشكلٕ كبير بالنمط المعاصر له في تلك الفترة وهو النمط الرومانسكي، وتمثل كاتدرائية نوتردام أبرز معالم تلك الحقبة والمصممة على الطراز القوطي في التصميم الداخلي.
بينما أُطلق على الفترة التي تليها وحتى عام 1500م مصطلح القوطية المتأخرة والتي وصل فيها هذا النمط من أنماط التصميم إلى ذروة انتشاره وتصدره لتصميمات القصور الأرستقراطية والمنازل الفخمة، والأماكن العامة الأنيقة وتمثل كاتدرائيات تشارتريس أبرز تصميمات الطراز القوطي في تلك الفترة، حيث خلف الطراز القوطي في التصميم الداخلي الطراز الرومانسكي والذي كان هو النمط السائد لفترات طويلة قبل ظهور التصاميم القوطية.
الخطوط العريضة للطراز القوطي
كان أول من أطلق مصطلح القوطية على هذا النمط من أنماط التصميم هو جورجيو فازاري الفنان الإيطالي الأصل والذي وسمها بأنها ” اضطراب وحشي بربري”، وذلك بعد ذكرها خطاب رفائيل سنة 1518م، عند البدء في التخطيط لتصميم المكان على الطراز القوطي، يتم التناغم والدمج بين عدد من الخطوط الساحرة والتي تعزف لحنًا خالدًا وفريد من الأصالة والعراقة والرقي، نذكر منها:
أثاث الطراز القوطي
تركزت صناعة قطع الأثاث في هذا الطراز على الأخشاب الطبيعية كالبلوط والتي تزينت بالعديد من النقوش والزخارف الذهبية منها خاصةً، ذات الطابع الكنسي في التصميم بأرجلها وظهورها المقوسة في شموخ وإبداع بدايةً من الكراسي والسراير وحتى الطاولات والخزائن، بالإضافة إلى استخدام المعادن كقطع مميزة في صناعة الأثاث القوطي، والتي عليها اللون البني الداكن ليعكس وقار واحترام ذلك النمط وتصميماته والتي تتماشى مع باقي أجزاء التصميم ذات الارتفاعات العالية والضخمة.
أول ما يلفت الانتباه عند دخول الغرفة المصممة على الطراز القوطي هو ذلك المقعد الضخم المشابه في تصميمه بشكل كبير بكرسي العرش في أحد القصور الملكية العريقة، بذراعيه وظهره المرتفع المنجدة بأفخم الأقمشة أو الجلود، مع نقوشاته الذهبية والنحاسية الأنيقة وساقيه الملتوية بإبداع والتي لا تخلو من نفس النقوش والزخارف.
الألوان في التصميمات القوطية
اعتمد ذلك التصميم على الألوان الداكنة المستوحاة من الطبيعة لتتماشى مع لون خشب البلوط الذي صُنع منه أثاث ذلك النمط المميز، فكان للون الأسود، والأرجواني، والأحمر الداكن بالإضافة إلى البني المحمر والأزرق الداكن حضور مميز عند اختيار الطراز القوطي في التصميم الداخلي، كما يتم كسر هذه الخطوط الداكنة ببعض الظلال الهادئة للون الأبيض ومشتقاته من البيج والكريمي والأوف وايت.
الجدران الحجرية الرائعة
من أكثر ما ساعد على إضفاء لمسة رائعة من الجمال والرقي على تصميمات هذا الطراز الزخارف والرسوم البارزة او الغائرة التي انتشرت على جدران هذا التصميم الحجرية والتي اتخذت من الطبيعة بعناصرها الساحرة وحدة تكوينها، كالنباتات والأشجار وكذلك تجسيد الأشخاص بطريقة جذابة، كما استخدم ورق الحائط بنفس هذه النقوش والزخارف الطبيعية لتغطية الجدران واكسابها بريقًا خاص.
الأرضيات
لاكتمال أناقة ورقي اللوحة البديعة المرسومة بخطوط الطراز القوطي في التصميم الداخلي يتم استخدام الأرضيات الخشبية والباركيه، وكذلك الأرضيات الرخامية بأنواعها المختلفة والتي تعكس المزيد من الترف والرفاهية على المكان، مع بعض من قطع السجاد الفاخر والمُختار بعناية فائقة ليتماشى مع التصميم العام للمكان بألوانه ونقوشه الجذابة.
النوافذ العمودية المقببة
نوافذ وشرفات هذا النوع من أنماط التصميم الداخلي ذات بناء عالي وضخم على هيئة قباب أو أقواس المعقدة، وتتميز بزجاجها متعدد الألوان والزخارف، والتي تسمح بمرور الضوء الطبيعي للمكان لتزيد من عظمة وأناقة المكان، مع تغليفها بإطار خشبي انيق ومزخرف بألوان الزخارف القوطية المميزة والملونة بأحد الوانه مثل اللون الرمادي أو الفضي والنحاسي.
وحدات الإضاءة
الثريات الضخمة ذات الزخارف الدقيقة والبديعة والتي يتدلى منها عدد من الشمعدنات في الغالب، والمصنوعة من المعدن تخطف الأنظار بمجرد الدخول إلى المكان، كما يزود ببعض وحدات الإنارة الموزعة بتنسيق مناسب لتوزيع الضوء في أركان الغرفة بشكل كافي، ليمتزج هذا كله مع الضوء الطبيعي المتسلل إلى الغرفة من خلال النوافذ الزجاجية الواسعة، مما يغلف المكان بهالة من السحر المريح للعين والأعصاب.
القطع الديكورية القوطية المميزة
لمسات صغيرة ورقيقة تنتشر في أرجاء المكان تزيد من جاذبيته وسحره اللافت للانتباه، ومن أبرزها:
الشمعدانات المعدنية
تلك الشمعدانات المزينة بالزخارف والنقوش الفضية أو الذهبية، والتي تحتل مكانها على الطاولات والأرفف في شموخ ورقي واضح.
اللوحات البديعة
تمثل اللوحة القماشية كبيرة الحجم والمطرزة يدويًا والمعلقة على أحد الجدران المحورية بالغرفة، من أهم قطع الديكور التي يهتم بها عاشقي الطراز القوطي في التصميم الداخلي، والتي يمكن استبدالها ببعض الصور الصغيرة والمرصعة على الحائط في تناسق وترتيب بديع.
المنحوتات والتماثيل
للتماثيل في المكان رونقًا خاص، باختلاف أشكالها وأحجامها، سواء التماثيل المعدنية أو الحجرية أو حتى الخشبية، والمنحوتة بدقة عالية، وتمثل في الغالب تجسيد لأحد الأبطال أو عناصر الطبيعة مثل الطيور والحيوانات.
النقوش والزخارف السائدة
الزخارف الذهبية من أبرز ما يميز نقوش القطع المختلفة المكونة لكيان هذا التصميم سواء الأثاث أو وحدات الإضاءة او المفروشات والجدران.
المرايا اللافتة للانتباه
المرايا كبيرة الحجم ذات الإطار الذهبي الأنيق والمزخرف ببعض الرسومات الرائعة من الزهور وأوراق الشجر والنباتات، لمسة رقيقة وراقية تناسب فخامة الطراز القوطي في التصميم الداخلي.
الصناديق التاريخية
استخدام أحد الصناديق الخشبية ذات اللون البني الداكن والمرصعة ببعض الأحجار الكريمة الملونة في أحد أركان الغرفة الرئيسية توحي بوجود كنز وسط هذا التصميم المشابه لأحد القلاع القديمة والأنيقة.
الستائر
ذات الطبقات المتعددة والأقمشة المخملية الكثيفة والمختارة بعناية من أجود أنواع الأقمشة عالية التكلفة، والتي يمكن الاستغناء عنها مع التصميم المبتكر والفريد لنوافذ هذا الطراز المميز.
فن الفسيفساء
من أجمل الفنون المرتبطة بأسلوب الطراز القوطي في التصميم الداخلي، حيث يتصدر المشهد بجدارة سواء في لوحة محورية بديعة أو الأرضيات المميزة الخاطفة للأنظار، أو زجاج النوافذ الضخمة العالية.
المدفأة الحجرية
ذات الطابع الكلاسيكي تُضفي على المكان نوع من الدفء والهدوء النفسي، والمزينة بسياح من المعدن في شكل أنيق وساحر، وهي من اساسيات الديكور القوطي وتصميماته الداخلية المميزة.
المزهريات الخزفية
من القطع الأكثر أناقة ورقي بالمكان المصمم على الطراز القوطي، مع باقة من الزهور الطبيعية الخلابة بألوانها التي تبعث في النفس نوع من البهجة والراحة.
المزج بين الطراز القوطي وغيره من الأنماط
من مزايا الطراز القوطي في التصميم الداخلي أنه لا يأبى الامتزاج مع غيره من الطرز والأنماط الأخرى، بل قد ينتج عن هذا المزج تحف فنية حقيقية، نتعرف على بعض تلك الأنماط التي يمكنها التحالف معه:
المزج مع الطراز الحديث
زادت الحيرة مع انتشار الطراز الحديث في التصميم الداخلي في وقتنا الحالي والحاجة إلى بعض العملية والمرونة في التصميم، مع الميل إلى استخدام الطراز القوطي بلمساته الاصيلة والأنيقة، لذا تمت بعض المحاولات لإضافة بعض الخطوط المميزة للقوطية إلى حجرة مصممة على الطراز الحديث وذلك بالعمل على توسيع أبعاد النوافذ الموجودة وبنائها بالشكل المقوس المنتمي للطراز القوطي مثلًا، للحصول على مكان عصري معبأ بعبق وأصالة الماضي.
كما يمكن الاستعانة بأحد الدواليب والخزانات متعددة الاستخدامات، شاهقة الارتفاع والمزينة بنقوش وزخارف الطراز القوطي، والتي تجمع بين الجاذبية القوطية والعملية العصرية.
المزج مع النمط الفيكتوري
لعشاق الطراز الفيكتوري في التصميم الداخلي مساحة ممتازة للجمع بين هذين النمطين، حيث لا يرفض أبدًا الطراز القوطي وجوده في نفس المكان المصمم على الطراز الفيكتوري العريق، بل بالعكس سنحصل على قدر من الأصالة والثراء والرقي منقطع النظير، وهو من أكثر أنماط الديكور قابلية للمزج مع الطراز القوطي، مع مراعاة المساحة المتاحة والبعد عن التكلف والمبالغة، وأن يتم ذلك بنظرات دقيقة وخبيرة للوصول إلى تصميم مريح وجميل في نفس الوقت، دون شذوذ أحد أركان المكان عن النمط السائد به فتكون النتيجة عكسية وغير مرضية.
أساسيات الطراز القوطي في التصميم الداخلي
لابد لك من التعرف على تلك الأسس التي يقوم عليها النمط القوطي كي يسهل عليك فهمه أكثر، والاستمتاع برؤية القصور التي تم بنائها على هذا الطراز وفهم كل تفصيلاتها، أو كانت لديك النية في استخدم هذا النمط في منشأتك الخاصة، إليك الآن هذه الأسس التي تتعلق بالمساحات والتكاليف والتصميمات وغيرها.
المساحات الشاسعة
يحتاج تطبيق الطراز القوطي في التصميم الداخلي بتفاصيله الفخمة والرائعة إلى مساحات واسعة، وذلك لاستيعاب ذلك القدر من الفخامة والرقي سواء في الأثاث أو اختيار الألوان، لذا لا يُنصح بالاتجاه إلى ذلك التصميم في الأماكن الضيقة المحدودة المساحة.
التكلفة العالية
يحتاج التطبيق العملي للنمط القوطي في التصميم الداخلي بكافة تفاصيله الفخمة إلى تكلفة عالية ومبالغ باهظة إلى حدٕ ما، لذا اختلفت مستويات التصميم باختلاف الميزانية المالية المحددة عند الرغبة في تنفيذ تصميمات هذا الطراز، حيث يتأثر الطراز القوطي بقصور الأساطير القديمة والنزعة الصوفية المتدينة والتي سادت في فترة ظهوره بشكل كبير.
التقليدية
لا مجال لوجود أحد وسائل التكنولوجيا الحديثة بشكل ظاهر في المكان المصمم على الديكور القوطي، فهما جانبان مختلفان تمامًا يصعب المزج بينهما في مكان واحد، إلا على استحياء بأحد تلك القطع البسيطة كشاشة رقيقة معلقة على أحد الجدران في إطار زخرفي مثلًا.
القوة
يجب الحذر عند اختيار الطراز القوطي في التصميم الداخلي بتفاصيله الحادة الداكنة إلى حدٕ كبير، عند تصميم غرف الأطفال أو المطابخ، فهذه الأماكن المميزة يفضل الاعتماد فيها على أنماط أكثر مرونة وحيوية.
التصميم
يرتكز الطراز القوطي على الأقواس المدببة والحادة سواء في تصميم السقف أو النوافذ المرتفعة أو حتى قطع الأثاث المختلفة، مع لمسات من الزخارف ذات الأشكال الطبيعية وألوانها المعدنية.
الانتشار
امتدت مظاهر الطراز القوطي ليس فقط للمباني والمنشأت بل وصل إلى الأزياء والملابس المميزة لتلك العصور، فكتسبت الأزياء طابعًا فخمًا مصنوع من أجود أنواع الأقمشة الحريرية المخملية مع زخرفتها بالكثير من الزخارف الطبيعية الخلابة والمبالغة في طبقات الملابس وأناقتها.
أبرز الأمثلة التاريخية للنمط القوطي
إليك أبرز المباني التي تم تأسيسها على النمط القوطي وأشهرها في العالم، حتى إذا ما أتيحت لك فرصة لزيارتها تكن على علمٍ بما تحويه من جمال وروعة في التصميم.
دير سانت دينيس (Saint Denis Monastery)
هذا الدير الواقع في شمال باريس بفرنسا، يظهر بها الطابع القوطي بقوة بكل تفاصيله من الأعمدة شاهقة الارتفاع والمساحات المفتوحة الواسعة والنقوش والزخارف الطبيعية المميزة، حيث بنيت في القرن السابع على يد المهندس المعماري سوجير، ودُفن بها عدد كبير من أفراد العائلة المالكة على مر سنوات طويلة.
كاتدرائية نوتردام (Notre Dame Cathedral)
تقع تلك الكاتدرائية العريقة والشامخة على نهر السين بفرنسا، وتتميز باثنين من الأبراج الضخمة، والقبة شديدة الارتفاع والتي يصل إلى 33 متر، وقد صممت تلك الكاتدرائية على الطراز القوطي في التصميم الداخلي في القرن العاشر، وهي من أهم معالم باريس التاريخية والدينية والحضارية أيضًا، إلا أنها تضررت بشكل كبير خاصةً مع الحريق الهائل التي تعرضت له عام 2019.
مجمع القنصلية الإيطالية في بورسعيد
من أبرز وأقدم المعالم التاريخية المصممة على الطراز القوطي في العالم، والتي أسست عام 1889، وأكثر ما يميزها هو النصب التذكاري المدون عليه 20 من الأسماء الإيطالية لجنود الحرب العالمية الأولى.
في الختام، على العكس من الانطباع المشهور عن هذا النمط من الديكور عن كونه نمط كئيب جامد، فإن الحصول على مكان مغلف برقي ورفاهية الطراز القوطي في التصميم الداخلي هو تجربة فريدة من الغموض والأصالة، ولكن يجب أن يتم تصميمه وتطبيقه بحرفية شديدة وإبداع، وذلك للوصول للنتيجة المرغوب بها، وقد صمد ذلك النمط الجمالي العريق على مدار عدة قرون طويلة ليظل محتفظًا بطابعه الخاص المميز إلى وقتنا الحالي غير مباليًا بما لحقه من أنماط عديدة ومتنوعة.